سورة التوبة - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


قوله تعالى: {براءة من الله ورسوله} يعني هذه براءة من الله ورسوله وأصل البراءة في اللغة انقطاع العصمة يقال برئت من فلان أبرأ براءة أي انقطعت بيننا العصمة ولم يبق بيننا علقة وقيل معناها التباعد مما تكره مجاورته قال المفسرون لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك كان المنافقون يرجفون الأراجيف وجعل المشركون ينقضون عهوداً كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر الله عز وجل بنقض عهودهم وذلك قوله سبحانه وتعالى: {وإما تخافن من قوم خيانة} الآية ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمر به ونبذ إليهم عهودهم قال الزجاج: أي قد برئ الله ورسوله من إعطائهم العهود والوفاء بها إذا نكثوا {إلى الذين عاهدتم من المشركين} الخطاب مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي عاهدهم وعاقدهم إلا أنه هو الذي عاقدهم وأصحابه بذلك راضون فكأنهم هم عقدوا وعاهدوا.
قوله سبحانه وتعالى: {فسيحوا في الأرض} أي فسيروا في الأرض مقبلين ومدبرين آمنين غير خائفين أحداً من المشركين وأصل السياحة الضرب من الأرض والاتساع فيها والبعد عن مواضع العمارة قال ابن الأنباري: قوله فسيحوا فيه مضمر أي قل لهم فسيحوا وليس هذا من باب الأمر بل المقصود منه الإباحة والإطلاق والإعلام بحصول الأمان وزوال الخوف يعني سيحوا في الأرض وأنتم آمنون من القتل والقتال {أربعة أشهر} يعني مدة أربعة أشهر واختلف العلماء في هذا التأجيل وفي هؤلاء الذين برئ الله ورسوله إليهم من العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مجاهد: هذا التأجيل من الله للمشركين فمن كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر رفعه إلى أربعة أشهر ومن كانت مدته أكثر حطه إلى أربعة أشهر ومن كان عهده بغير أجل معلوم محدود حده بأربعة أشهر ثم هو بعد ذلك حرب لله ولرسوله يقتل حيث أدرك ويؤسر إلا أن يتوب ويرجع إلى الإيمان وقيل: إن المقصود من هذا التأجيل أن يتفكروا ويحتاطوا لأنفسهم ويعلموا أنه ليس لهم بعد هذه المدة إلا الإسلام أو القتل فيصير هذا داعياً لهم إلى الدخول في الإسلام ولئلا ينسب المسلمون إلى الغدر ونكث العهد وكان ابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر.
فأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم وذلك خمسون يوماً قال الزهري الأشهر الأربعة شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم لأن هذه الآية نزلت في شوال والقول الأول أصوب وعليه الأكثرون. وقال الكلبي: إنما كانت الأربعة أشهر عهداً لمن كان له عهد دون الأربعة أشهر فأتم له الأربعة أشهر.
فأما من كان عهده أكثر من أربعة أشهر فهذا أمر بإتمام عهده بقوله تعالى: {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} وقيل كان ابتداؤها في العاشر من ذي القعدة وآخرها العاشر من ربيع الأول لأن الحج في تلك السنة كان في العاشر من ذي القعدة بسبب النسئ ثم صار في السنة المقبلة في العاشر من ذي الحجة وفيها حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إن الزمان قد استدار» الحديث قال الحسن: أمر الله عز وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال من قاتله من المشركين فقال تعالى: {قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} فكان لا يقاتل إلا من قاتله ثم أمره بقتال المشركين والبراءة منهم وأجلهم أربعة أشهر فلم يكن لأحد منهم أجل أكثر من أربعة أشهر لا من كان له عهد قبل البراءة ولا من لم يكن له عهد وكان الأجل لجميعهم أربعة أشهر وأحل دماء جميعهم من أهل العهود وغيرهم بعد انقضاء الأجل وقال محمد بن إسحاق ومجاهد وغيرهما: نزلت في أهل مكة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاهد قريشاً عام الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بنو بكر في عهد قريش ثم عدت بنو بكر على خزاعة فنالت منهم وأعانتهم قريش بالسلاح فلما تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة ونقضوا عهدهم خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:
لا هم إني ناشد محمداً *** حلف أبينا وأبيه ألأتلدا
كنت لنا أباً وكنا ولدا *** ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصراً أبدا *** وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا *** في فليق كالبحر يجري مزبدا
أبيض مثل الشمس يسمو صعدا *** إن سيم خسفا وجهه تربدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا *** ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وزعموا أن لست تنجىأحداً *** وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالحطيم هجدا *** وقتلونا ركعاً وسجدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لانصرت إن لم أنصركم» وتجهز إلى مكة ففتحها سنة ثمان من الهجرة فلما كانت سنة تسع أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحج فقيل له المشركون يحضرون ويطوفون بالبيت عراة فقال: «لا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك» فبعث أبا بكر في تلك السنة أميراً على الموسم ليقيم للناس الحج وبعث معه أربعين آية من سورة براءة ليقرآها على أهل الموسم ثم بعث بعده علياً على ناقته العضباء ليقرأ على الناس صدر براءة وأمره أن يؤذن بمكة ومنى وعرفة أن قد برئت ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من كل مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فرجع أبو بكر فقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شيء فقال: «لا ولكن لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي أما ترضى يا أبا بكر أنك كنت معي في الغار وأنك معي على الحوض»؟ قال بلى: يا رسول الله فسار أبو بكر أميراً على الحجاج وعلي بن أبي طالب يؤذن ببراءة فلما كان قبل التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس وحدثهم عن مناسكهم فأقام للناس الحج والعرب في تلك السنة على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية من أمر الحج حتى إذا كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأذن في الناس بالذي أمر به وقرأ عليهم أول سورة براءة وقال يزيد بن تبيع سألنا علياً بأي شيء بعثت في الحجة قال بعثت بأربع لا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته ومن يكون له عهده فأجله أربعة أشهر ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا في حج ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر حجة الوداع.
(ق) عن أبي هريرة أن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس يوم النحر أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وفي رواية ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة قال أبو هريرة فأذن معنا في أهل منى ببراءة أن لا يحج بالبيت بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وفي رواية ويوم الحج الأكبر يوم النحر والحج الأكبر الحج وإنما قيل الحج الأكبر من أجل قول الناس للعمرة الحج الأصغر قال فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك فلم يحج في العام القابل الذي حج فيه حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع مشرك وأنزل الله في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} الآية.
فصل:
قد يتوهم متوهم أن في بعث علي بن أبي طالب بقراءة أول براءة عزل أبي بكر عن الإمارة وتفضيله على أبي بكر وذلك جهل من هذا المتوهم ويدل على أن أبا بكر لم يزل أميراً على الموسم في تلك السنة أول حديث أبي هريرة المتقدم أن أبا بكر بعثه في رهط يؤذنون في الناس الحديث وفي لفظ أبو داود والنسائي قال بعثني أبو بكر فيمن يؤذن في يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فقوله بعثني أبو بكر فيه دليل على أن أبا بكر كان هو الأمير على الناس وهو الذي أقام للناس حجهم وعلمهم مناسكهم وأجاب العلماء عن بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً ليؤذن في الناس ببراة بأن عادة العرب جرت أن لا يتولى تقرير العهد ونقضه إلا سيد القبيلة وكبيرها أو رجل من أقاربه وكان علي بن أبي طالب أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر لأنه ابن عمه ومن رهطه فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليؤذن عنه ببراءة إزاحة لهذه العلة لئلا يقولوا هذا على خلاف ما نعرفه من عادتنا في عقد العهود ونقضها وقيل لما خص أبا بكر بتوليته على الموسم خص علياً بتبليغ هذه الرسالة تطييباً لقلبه ورعاية لجانبه وقيل إنما بعث علياً في هذه الرسالة حتى يصلي خلف أبي بكر ويكون جارياً مجرى التنبيه على إمامة أبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر أميراً على الحجاج وولاه الموسم وبعث علياً خلفه ليقرأ على الناس براءة فكان أبو بكر الإمام وعلي المؤتم وكان أبو بكر الخطيب وعلي المستمع وكان أبو بكر المتولى أمر الموسم والأمير علىلناس ولم يكن ذلك لعلي فدل ذلك على تقديم أبي بكر على علي وفضله عليه والله أعلم.
وقوله تعالى: {واعلموا أنكم غير معجزي الله} يعني أن هذا الإمهال ليس لعجز عنكم ولكن لمصلحة ولطف بكم ليتوب تائب وقيل: معناه فسيحوا في الأرض أربعة أشهر عالمين أنكم لا تعجزون الله بل هو يعجزكم ويأخذكم لأنكم في ملكه وقبضته وتحت قهره وسلطانه وقيل معناه إنما أمهلكم هذه المدة لأنه لا يخاف الفوت ولا يعجزه شيء {وأن الله مخزي الكافرين} يعين بالقتل والعذاب في الآخرة.


قوله عز وجل: {وأذان من الله ورسوله} الأذان في اللغة الإعلام ومنه الأذان للصلاة لأنه إعلام بدخول وقتها والمعنى وإعلام صادر من الله ورسوله واصل {إلى الناس يوم الحج الأكبر} اختلفوا في يوم الحج الأكبر فروى عكرمة عن ابن عباس أنه يوم عرفة ويروى ذلك عن ابن عمر وابن الزبير وهو قول عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن المسيب وعن علي بن أبي طالب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحج الاكبر فقال: يوم النحر أخرجه الترمذي وقال ويروى موقوفاً عليه وهو أصح وعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها فقال: أي يوم هذا، فقالوا يوم النحر فقال: هذا يوم الحج الأكبر أخرجه أبو داود ويروى ذلك عن عبد الله بن أبي أوفى والمغيرة بن شعبة وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير والسدي.
وروى ابن جريج عن مجاهد أن يوم الحج الأكبر أيام منى كلها وكان سفيان الثوري يقول الحج الأكبر أيام منى كلها لأن اليوم قد يطلق ويراد به الحين والزمان كقولك يوم صفين ويوم الجمل لأن الحروب دامت في تلك الأيام ويطلق عليها يوم واحد وقال عبد الله بن الحث بن نوفل: يوم الحج الأكبر الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول ابن سيرين لأنه اجتمع فيه حج المسلمين وعيد اليهود وعيد النصارى وعيد المشركين ولم يجتمع مثل ذلك قبله ولا بعده فعظم ذلك اليوم عند المؤمنين والكفارين. قال مجاهد: الحج الأكبر القرآن لأنه قرن بين الحج والعمرة، وقال الزهري والشعبي وعطاء، الحج الأكبر الحج والحج الأصغر العمرة وإنما قيل لها الأصغر لنقصان أعمالها عن الحج وقيل: سمي الحج الأكبر لموافقة حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان ذلك اليوم يوم الجمعة فودع الناس فيه وخطبهم وعلمهم مناسكهم وذكر في خطبته أن الزمان قد استدار وأبطل النسي وجميع أحكام الجاهلية.
وقوله سبحانه وتعالى: {أن الله بريء من المشركين ورسوله} فيه حذف والتقدير وأذان من الله ورسوله بأن الله بريء من المشركين وإنما حذفت الباء لدلالة الكلام عليها وفي رفع رسوله وجوه الأول أنه رفع بالابتداء وخبره مضمر والتقدير أن الله بريء من المشركين ورسوله أيضاً بريء الثاني تقديره بريء الله ورسوله من المشركين الثالث إن الله في محل الرفع بالابتداء وبرئ خبره ورسوله عطف على المبتدأ.
فإن قلت: لا فرق بين قوله براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين وبين قوله إن الله بريء من المشركين ورسوله فما فائدة هذا التكرار قلت المقصود من الآية الأولى البراءة من العهد ومن الآية الثانية البراءة التي هي تفيض الموالاة الجارية مجرى الزجر والوعيد والذين يدل على صحة هذا الفرق أنه قال في أولها براءة من الله ورسوله إلى يعني بريء إليهم وفي الثانية بريء منهم وقوله تعالى: {فإن تبتم} يعني فإن رجعتم عن شرككم وكفركم {فهو خير لكم} يعني من الإقامة على الشرك وهذا ترغيب من الله في التوبة والإقلاع عن الشكر الموجب لدخول النار {وإن توليتم} يعني أعرضتم عن الإيمان والتوبة من الشرك {فاعلموا أنكم غير معجزي الله} فيه وعيد عظيم وإعلام لهم بأن الله سبحانه وتعالى قادر على إنزال العذاب بهم وهو قوله تعالى: {وبشر الذين كفروا بعذاب أليم} يعني في الآخرة ولفظ البشارة هنا إنما ورد على سبيل الاستهزاء. كما يقال: تحيتهم الضرب وإكرامهم الشتم.


قوله سبحانه وتعالى: {إلا الذين عاهدتم من المشركين} هذا الاستثناء راجع إلى قوله تعالى براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين يعني إلا من عهد الذين عاهدتم من المشركين وهم بنو ضمرة حي من كنانة أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بإتمام عهدهم إلى مدتهم وكان قد بقي من مدتهم تسعة أشهر وكان السبب فيه أنهم لم ينقضوا العهد وهو قوله تعالى: {ثم لم ينقصوكم شيئاً} يعني من عهودهم التي عاهدتموهم عليها {ولم يظاهروا} يعني ولم يعاونوا {عليكم أحداً} يعني من عدوكم وقال صاحب الكشاف: وجهه أن يكون مستنثى قوله تعالى فسيحوا في الأرض لأن الكلام خطاب للمسلمين ومعناه براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فقولوا لهم: سيحوا في الأرض إلا الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقصوكم {فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} والاستثناء بمعنى الاستدراك كأنه قيل لهم بعد أن أمروا في الناكثين لكن الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجراهم ولا تجعلوا الوفي كالغادر {إن الله يحب المقتين} يعني أن قضية التقوى تقتضي أن لا يسوى بين القبيلتين يعني الوافي بالعهد والناكث له والغادر فيه.
قوله سبحانه وتعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} يعني فإذا انقضت الأشهر الحرم ومضت وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم. وقال مجاهد ومحمد بن إسحاق: هي شهور العهد سميت حرماً لحرمة نقض العهد فيها فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر ومن لا عهد له فأجله إلى انقضاء المحرم وذلك خمسون يوماً وقيل إنما قال لها حرم لأن الله سبحانه وتعالى حرم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرض لهم.
فإن قلت: على هذا القول هذه المدة وهي الخمسون يوماً بعض الأشهر الحرم والله سبحانه وتعالى قال فإذا انسلخ الأشهر الحرم.
قلت: لما كان هذا القدر من الأشهر متصلاً بما مضى أطلق عليه اسم الجمع والمعنى فإذا مضت المدة المضروبة التي يكون معها انسلاخ الأشهر الحرم {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} يعني في الحل والحرم وهذا أمر إطلاق يعني اقتلوهم في أي وقت وأي مكان وجدتموهم {وخذوهم} يعني واسروهم {واحصروهم} أي واحبسوهم.
قال ابن عباس: يريد أن تحصنوا فاحصروهم وامنعوهم من الخروج. وقيل: امنعوهم من دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام {واقعدوا لهم كل مرصد} يعني على كل طريق والمرصد الوضع الذي يقعد فيه للعدو من رصدت الشيء أرصده إذا ترقبته والمعنى كونوا لهم رصداً حتى تأخذوهم من أي وجه توجهوا. وقيل: معناه اقعدوا لهم بطريق مكة حتى لا يدخلوها {فإن تابوا} يعني من الشرك ورجعوا إلى الإيمان {وأقاموا الصلاة} يعني وأتموا أركان الصلاة المفروضة {وآتوا الزكاة} الواجب عليهم طيبة بها أنفسهم {فخلوا سبيلهم} يعني إلى الدخول إلى مكة والتصرف في بلادهم {إن الله غفور} يعني لمن تاب ورجع من الشرك إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة {رحيم} يعني بأولياءه وأهل طاعته، وقال الحسن بن الفضل: نسخت هذه الآية كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على أذى الأعداء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8